تسجيل الدخول

كلمة دولة الأستاذ الدكتور عدنان بدران "التعليم العالي والمسؤولية الاجتماعية"

9/14/2014

 

Share

كلمة دولة الأستاذ الدكتور عدنان بدران  بعنوان  "التعليم العالي والمسؤولية الاجتماعية" خلال ندوة حوارية بعنوان "المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص" التي أقيمت في فندق لاند مارك يوم الأحد الموافق 06/09/2014 بالتعاون مع جمعية الأكاديميين الأردنيين وجامعة جرش الأهلية. وتالياً نص الكلمة:
 
مفهوم المسؤولية الاجتماعية يرسخ المواطنة الحقيقية لدى الإنسان في خدمة أخيه الإنسان، في الحفاظ على حقوقه والحد من انتهاكات هذه الحقوق، في صون كرامته، في تمكينه علمياً ومهنياً في الاعتماد على الذات لتوفير حياة كريمة له ولعائلته.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية يلقى بمسؤوليته على كافة قطاعات الدولة الرسمية العامة والخاصة في خدمة المجتمع ... أي على كل كيان أن يقوم بدوره ضمن اختصاصه وموارده وإمكاناته في خدمة تنمية المجتمع اجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً.. ولا يستثنى أحد من ذلك، أكان الكيان ربحي أم غير ربحي.
ونظراً لعدم إمكانية الدولة القيام بكل ذلك.. لجأت المنظمات والمؤسسات غير الحكومية إلى لعب دور هام في مجال المسؤولية الاجتماعية.. فالمسؤولية ترتبط بالجانب الأخلاقي، وتنمية الأفراد أي تمكينهم علمياً ومهنياً للانخراط في تنمية مجتمعاتهم.

لذا، هناك مسؤولية اجتماعية من خلال المنظور الواسع لرسالة الجامعة، وأهدافها في تمكين الإنسان من خلال التعليم والتدريب والتأهيل وفق المبدأ الصيني القائل "لا تطعمه سمكاً، بل علمه كيف يصتاد سمكاً".

ولما كانت الجامعة تقوم على أعمدة ثلاثة، لتأدية رسالتها الإنسانية، والقيام بدورها للمجتمعات المحلية، وتخطيها إلى مجالات إقليمية وعالمية وهذه الأعمدة هي: التعليم والتعلم، البحث العلمي، خدمة المجتمع. لذا فإن المسؤولية الاجتماعية لكل منها يمكن تلخيصه بما يلي:

أولاً : في التعليم والتعلم: الجامعة منارة علم، عليها أن ترفد المجتمع بالجودة والنوعية والمواءمة لخريجيها.. عليها أن تخرج المبدعين والرياديين.. عليها أن تخرج "فرسان التغيير من حملة الفكر الخلاق" الذين يُشغلّون الآخرين من خلال إبداعاتهم وابتكاراتهم، ولا يطرقون أبواب الوظائف للتفتيش عن عمل، فهم يشكلون لبنات التنوير في مجتمع متخلف تسوده قيم الفتنة والفرقة على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو أثني. لذا على الجامعة في مسؤوليتها الاجتماعية أن تقود المجتمع ولا تسير خلفه، ولكنها تتفاعل معه ولا تعيش في برج عاجي بعيداً عن أحواله ومشكلاته.
 

الجامعة الناجحة هي الجامعة المنتجة للفكر الخلاق المستنير، للفكر الحداثي، الذي يحلل ويستنتج، ويصل إلى الحلول القائمة، على قراءة وفلسفة واضحة المعالم في المنطق، في الموضوعية ودقة المعلومات والفكر الناقد.

لذا على الجامعة تطوير برامجها وتخصصاتها وطرائق تدريسها لتنمية القدرات لتلبية سوق العمل في متطلباته، وتوسعة السوق بالتكنولوجيات الجديدة، وإنشاء شراكة مستدامة مع قطاعات الإنتاج في المجتمع.
 
ثانياً : في البحث العلمي: الجامعة تشكل القاطرة الدينامكية في المسؤولية الاجتماعية، ليس بإقتصارها على رفد المجتمع بالخريجين المتميزين، بل ورفده في مخرجات البحث العلمي الهادف لحل مشكلاته المستعصية الاقتصادية، والاجتماعية، وخاصةً ما يتعلق بالمياه، والطاقة، والأمن الغذائي، وبناء الذات في التكنولوجيا لتحديث وتطوير أساليب معيشته وعمله، نحو حياة أفضل والقضاء على الفقر والبطالة. علينا تعزيز البيئة الجامعية الإبداعية في البحث والتطوير.
نحن في عالمنا العربي مستهلكون لمخرجات العلوم والتكنولوجيا للبلدان المتقدمة.. لذا نحن نعيش في تبعية سياسية، واقتصادية، واجتماعية لشعوب أخرى، تقدمت علينا في بحوثها العلمية التي أدت وتؤدي يومياً إلى اكتشافات واختراعات تكنولوجية، بينما نحن منشغلون في فتن، وحروب طائفية ومذهبية ستشغلنا طويلاً عن السير في ركب النمو والتقدم، وحضارة قرن جديد، نحو آفاق ومدارات واسعة.

ثالثاً : في خدمة المجتمع: على الجامعة أن تدرس المشكلات التي يعاني منها المجتمع والتي تشكل عقبات في طريق التنمية، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يمكن تحقيقه عن طريق التعليم المستمر بفتح مراكز تدريبية وتأهيلية في المحافظات، لتمكين أفراد المجتمع وخاصةً المرأة لتكون عضوه فاعلة منتجة في المجتمع.

وهناك تجربة رائدة خاضتها اليرموك منذ بداية تأسيسها عام 1976، إذ أنشأت مركز التعليم المستمر وخدمة المجتمع الذي انتشرت نشاطاته داخل الحرم الجامعي وخارجه حتى وصلت دوراته التدريبية والتأهيلية وخاصة للمرأة الأردنية الريفية إلى مناطق الأغوار والرمثا والمفرق وحتى مناطق وادي موسى في الجنوب.

وهذا المركز "مركز التعليم المستمر وخدمة المجتمع" كان بإدارة الأستاذ الدكتور خالد العمري الذي تدرب في جامعة ويسكونسن - ماديسون، وهي الجامعة المتقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال التعليم المستمر وخدمة المجتمع (extension –outreach program)، وقد عقدت جامعة اليرموك آنذاك اتفاقية معها للاستفادة من خبراتها في خدمة المجتمع.

وعلى الجامعة أن تفتح قاعاتها ومختبراتها ومرافقها العامة لاستقبال أبناء المجتمع المحلي لاستخدام الخريج العاطل عن العمل، نحو برامج جديدة تؤهله لمتطلبات السوق. وقد تكون هذه البرامج التأهيلية المكثفة مبرمجة وفق خطة دراسية تقود إلى دبلوم تدريبي أو شهادة تدريبية، تُفصّل وفق مؤهلات سد حاجات سوق العمل.

وعلى الجامعة نشر مبادىء الديمقراطية، والشفافية، والعدالة، والمساواة وتكافؤ الفرص، وتقديم المنح للمتفوقين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم المساعدات المالية للفقراء من الطلبة لئلا يكون المال عائقاً في إكمال تعليمهم، ومتابعة الخريجين والتواصل معهم، والإسهام في توظيف الخريجين مع توفير فرص لتدريبهم لإيجاد فرص عمل جديدة، مشاركة الجامعة في الحملات الشبابية للتبرع بالدم، لإنقاذ المرضى والمصابين من أبناء المجتمع في المستشفيات، تعزيز ثقافة التشبيك المجتمعية لتكنولوجيا المعلومات لإيصال المعرفة والمعلومات للمجتمع.

لقد وجدت مؤسسات التعليم العالي لخدمة ودعم المجتمع من خلال التعلم وبناء القيم، ويمكن لها أن تبنى قاعدة اجتماعية تسهم إيجابياً في تحقيق المواطنة، وتعزيز الدور المدني والمسؤولية الاجتماعية في بناء شراكة إيجابية مع المجتمعات لتحسين الفرص الاقتصادية وتمكين الأفراد في زيادة التفاهم واحترام الاختلاف، وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي والازدهار.